لم تكن ضربة الأمس الإيرانية الا لحفظ ماء الوجه الإيراني بالردّ على مقتل رئيس فيلق القدس قاسم سليماني، واتفاق ضمني بين طرفي النزاع الأميركي والإيراني. هي الضربة التي انتظرها العالم بمن فيهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعاونيه، وكل الفيالق والجيوش التي راحت تستعدّ عسكرياً الى حرب اعتقدوا انها ستبدأ بصاروخ ذكي ولا تنتهي الا بصيغة غالب ومغلوب.
ان الواقع السياسي في هذا المشهد يختلف عن الواقعين الإقتصادي والعسكري. ما حصل فجر اليوم، هو ان الإيرانيين أكّدوا على الردّ، ولكن لا أحد في دائرة الصراع الإقليمي يريد الحرب. لا الإيرانيين ولا الأميركيين. فاتُفقَ على ردّ لائق تمثّل بإطلاق أكثر من عشرة صورايخ باليستيّة من داخل إيران على قاعدة "عين الأسد" في محافظة الأنبار غرب العراق وقاعدة أخرى في مدينة أربيل، ما أسفر عن خسائر قليلة ناتجة عن الهجوم بحسب تقرير البنتاغون الذي صدر بعيد انقضاء الضربة بساعتين. وكان الأميركيون المستعدون للضربة، قد أجْلوا القاعدة كلياً من العناصر العسكريّة، قبل أيّام، وحصّنوا جنودهم خارج المنطقة في ملاجئ مجهّزة، بحسب معلومات واردة من واشنطن لصحيفة "النشرة" الالكترونية. وكانت أشارت محطّة CNN الأميركية بعد انقضاء الضربة بساعات، ان الصواريخ الإيرانية ضربت مواقع غير مأهولة في قاعدة عين أسد.
وذكرت تقارير واردة ليلا من واشنطن، انه تمّ استهداف مناطق ذات غالبية طائفيّة معيّنة، وهي ردّ بمثابة قصاص لأنهم رفضوا حضور جلسة مجلس النواب العراقي من أجل التصويت على خروج الجيوش الأجنبية من العراق.
في الواقع الإقتصادي، يتردّد منذ أيام في الإعلام، تصريح للرئيس ترامب يطلب فيه بلهجة واضحة تعويضاً مالياً يقدّر بثلاثة تريليونات من الدولارات، عن خسائر الولايات المتحدة في حربها في العراق، كما يطلب من العراقيين ثمن القواعد العسكريّة كي يُجلي جيوشه من البلاد. ما يُشتمّ من هذه التصاريح رائحة صفقات ماليّة، ربحها ترامب ويربحها من العرب، أحياناً بالدهاء الإقتصادي وأحياناً بالحنكة السياسية، وأحياناً بالقوة.
ما حصل البارحة من المشهد الاميركي-الايراني، ذكّر بالمشهد الذي حصل بين ترامب وروسيا خلال الأزمة السورية 2018، وتحديداً في منتصف نيسان، عندما هدد ترامب عبر التويتر روسيا قائلاً: روسيا، استعدي للحرب.
وكانت "النشرة" قد انفردت يومها بتفاصيل العودة عن قرار الحرب، بعد اللقاء الذي جمع الإدارة الأميركية وعلى رأسهم الرئيس الأميركي مع قياديين يمثلون الدول الغربية في واشنطن، وكانوا جميعاً قد اتخذوا قرار الحرب على سوريا في نيسان 2018، أكد يومها وزير الدفاع جايمس ماتيس أنه يستطيع أن يُنهي حكم الرئيس السوري بشّار الأسد بأسبوعين، لكنه فاجأ المجتمعين بسؤال عجزوا فيه عن الردّ، وهو حلّ سريع لخمسة ملايين لاجئ إضافي سوف تفرزهم الحرب. عندها، غيّر المجتمعون رأيهم، وراحوا يبحثون عن حلّ يحفظ وجه ماء ترامب بعد مهاجمته روسيا. فاتُّفق مع السوريين بعد اجتماع عُقد في الأردن، حسب ما أكد مصدر أمني لـ"النشرة"، اجتماع جمع عدد من العسكريين مثّلوا أطراف النزاع في 12 نيسان 2018، حيث اتُفق على إجلاء المواقع العسكريّة وخاصة قاعدة حميميم الجويّة، حتى لا توقع الضربات الأميركية أيّ خسائر بشرية. وهكذا تمت الحرب على سوريا بتمثيلية تشبه حلقة ليلة البارحة في العراق.
وإذا نظرنا بعين أخرى الى روسيا ودورها في الحرب، نرى مشهداً جميلاً في صورة تجمع الرئيس فلاديمير بوتين مع بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الأورثوذكس يوحنا العاشر في بطريركية إنطاكية في دمشق، خلال زيارة مفاجئة قام بها الى سوريا البارحة، حيث قدّم البطريرك إيقونة تاريخية للسيدة العذراء للرئيس الروسي بمناسبة عيد الميلاد. وفي نفس الزيارة كان هناك لقاء جمع بين الرئيسين السوري والروسي. أليس هذا المشهد يوحي بهدوء في المنطقة وليس بالحرب. أليس بوتين هو رئيس دولة عظمى اشتُهرت بقوة استخباراتها؟!. أيُعقل أن يقوم رئيس إحدى أعظم دول العالم بزيارة إقتصادية الى تركيا اليوم لحضور مراسم افتتاح خط أنابيب السيل التركي الذي سينقل الغاز الروسي الى اوروبا عبر تركيا، أيُعقل ان تكون الأجواء على هذا الشكل والحرب دائرة؟ ما حصل ليلة البارحة يقول ان لا حرب على الأبواب.
سمر نادر
الأمم المتحدة-نيويورك